قصص
بقلم :
  • مونيكا كيرياك | مسؤولة الإعلام والتواصل في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن

مأرب، اليمن – ماذا ستفعل إذا وجدت طفلاً حديث الولادة في العراء؟ هذه هي القصة الاستثنائية لامرأتين نازحتين، تايتو و درويشه، اللتين واجهتا هذا الموقف في اليمن. وفي تحول استثنائي للأقدار، عثرت كل منهما على طفل رضيع تُرك في العراء بعد فترة وجيزة من ولادته، بعد أن ولدتا هما أطفالهما بفترة وجيزة – حيث ولدت تايتو طفلها الأول، بينما ولدت درويشة طفلها الخامس عشر.

قبل عامين، صعدت درويشه على متن قارب مكتظ في أوبوك، جيبوتي، مع 150 شخصاً آخر، معظمهم نساء يسعين إلى حياة أفضل. وبعد أن تركت عائلتها في إثيوبيا، لم تتخيل أن رحلتها ستنتهي في مُخيم للمهاجرين بمأرب، اليمن.

في مأرب، التي أصبحت موطناً لمجتمع مهاجر قوي ومتغير باستمرار، وجدت تايتو فرصة كعاملة منزلية. لكن بعد ثلاثة أشهر فقط من استقرارها، اكتشفت أنها حامل.

وسرعان ما فقدت وظيفتها، وبدون دخل ثابت، وجدت نفسها تواجه تحديات كبيرة لتربية طفلها في بلد غريب. رغم ذلك، لم تتخلَّ عن إنسانيتها. وعندما عثرت على طفلة صغيرة تُركت وحيدة دون والديها، قررت أن توفر لها منزلًا آمنًا مليئًا بالحب.

من إثيوبيا إلى اليمن، كانت رحلة تايتو مليئة بالصعوبات، لكنها أظهرت أيضاً قوتها وصمودها وحبها الذي لا يتزعزع كأم. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/مونيكا كيرياك

تُقر تايتو بأن تربية طفلين دون أي دعم عائلي، وفي ظروف قاسية مع وجود حرارة مرتفعة وانقطاع للكهرباء، كانت أمراً بالغ الصعوبة. ومع ذلك، ظلت عزيمتها قوية. ففي ثقافة تايتو، كما هو الحال في العديد من الثقافات الأخرى، تُعتبر رعاية الآخرين، خاصة الأطفال المحتاجين، واجباً أخلاقياً عميق الجذور. لكن مثل هذه الأفعال الإنسانية تأتي غالباً بتكاليف شخصية باهظة، حيث تستنزف الموارد المحدودة إلى أقصى حد.

وسط هذه التحديات، تعمل المنظمة الدولية للهجرة بلا كلل لدعم الأشخاص مثل تايتو. ومن خلال تقييم نقاط الضعف، تحدد المنظمة الاحتياجات الأكثر إلحاحاً وتقدم الحماية والدعم اللازمين لإدارة الحالات. وبالنسبة للأسر التي تقودها نساء مثل تايتو، تضمن المنظمة أن تكون المُساعدات موجهة لمعالجة مواطن الضعف المحددة، مما يسهم في تعزيز الصمود في أصعب الأوقات.

وحتى مع وجود الدعم، ما تزال المخاطر موجودة دائماً في المخيم، ففي 26 يونيو، انهار إحساس تايتو الهش بالاستقرار عندما شبَّ حريق في مجتمعها المكتظ. وانتشرت النيران بسرعة، نتيجة كثافة المآوي وقوة الرياح. وحاول السكان بيأس للسيطرة على النيران ولكنها كانت أقوى منهم. وعندما تم إخماد النيران أخيراً، كان مأوى تايتو قد تحول إلى رماد.  

بعد الكارثة، تدخلت المنظمة الدولية للهجرة لمُساعدة المتضررين. حصلت تايتو على حقائب النظافة الأساسية، والنظافة العامة، والطعام، والمأوى طارئ، مما ساعد في تخفيف العبء الفوري عنها. ومع ذلك، بقيت صدمة تلك الليلة عالقة في ذهنها، مما زاد من صعوبة التحديات التي كانت تواجهها بالفعل. 

رغم التحديات، نجح حب تايتو في تحويل نساء غريبات إلى أخوات. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/مونيكا كيرياك

مثل تايتو، انقلبت حياة درويشه رأساً على عقب عندما أجبرها الصراع والغارات الجوية على الفرار من الحديدة إلى منطقة أخرى في مأرب، حيث تعيش منذ خمس سنوات. وعلى الرغم من شُح مواردها، وجدت شعوراً بالأمان في المخيم الخاص بالنازحين. 

درويشه، التي لطالما حلمت بتكوين عائلة كبيرة هي اليوم، أم فخورة لعدد 15 طفلاً. وتقول مبتسمة: "ليس من السهل دائماً متابعة الجميع، ولكن وجود العديد من الأطفال يعني أنهم دائماً سيعتنون ببعضهم البعض." ولتأمين احتياجاتهم، تجمع درويشه زجاجات بلاستيكية وتبيعها، مما يوفر لها دخلاً متواضعاً. 

في إحدى هذه الجولات، وقبل أيام قليلة من ولادة أصغر أطفالها، صادفت درويشه تجربة ستغير حياتها إلى الأبد. في حفرة مغطاة بالأشواك والأغصان، وجدت مولوداً حديثاً مغطى بالدماء، مع قبعة صغيرة تحمي وجهه. كانت الحفرة في مكان مهجور تعصف به الرياح، حيث كانت الكلاب الضالة تتجول حوله وبمعجزة ما، كان الرضيع سليماً.  

بادرت درويشه بسرعة بإبلاغ المجتمع المحلي وشاركت معلومات الاتصال الخاصة بها، على أمل أن يظهر شخص من أقارب الطفل. وقد حضر العديد من الغرباء، حتى أن بعضهم عرض المال لتبني الطفل. إلا أن حدسها دفعها إلى عدم تسليم الطفل لأي شخص لم تثق به. تقول درويشه: "كأم، شعرت بمسؤولية حماية هذا الطفل." 

العثور على الطفل كان منعطفاً غير متوقع في حياة درويشه، لكنها استقبلته بذراعين مفتوحتين. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/مونيكا كيرياك

أطلقوا عليه اسم "ضيف الله"، إيماناً منهم بأن العناية الإلهية هي من قادته إليهم. أما مولودتهم الجديدة فقد أُطلق عليها اسم "عنود"، وهو اسم يعني "القوية"، تعبيراً عن القوة والصمود الذي يميزهم.

وقد خضع هذا الصمود لاختبار قاسٍ عندما أجبر الصراع عائلة درويشه على الفرار من منزلهم. وفي تلك اللحظات الحرجة، تلقّت عائلة درويشه دعماً هاماً عبر برنامج آلية الاستجابة السريعة الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة، الذي يوفر دعماً فورياً لإنقاذ حياة الأسر المُتضررة من الأزمات. وخلال 72 ساعة، تلقت أسرة درويشه حقيبة أدوات تحتوي على مستلزمات إغاثية أساسية.

حصلت درويشه أيضاً على مساعدات نقدية وقد مكّنها هذا الدعم النقدي من شراء المستلزمات الضرورية من الأسواق المحلية، مما منحها الحرية لتحديد احتياجات أسرتها. ومع دعم المنظمة الدولية للهجرة، حصلت الأسرة أيضاً على مأوى انتقالي، واستطاعت أن تنفذ تحسينات ملموسة في مأواها وفي المرحاض الذي تملكه.

بدون الدعم الذي تقدمه نساء مثل درويشه وتايتو، كان العديد من هؤلاء الأطفال سيواجهون مخاطر الهجران أو مخاطر أخرى جسيمة. ولمنع هذا، يقدم فريق الحماية في المنظمة الدولية للهجرة للأطفال غير المصحوبين مكاناً آمناً في مرافق الرعاية المجتمعية، حيث يحصلون على خدمات صحة، وحماية، ودعماً نفسياً اجتماعياً.

تُظهر رحلتا تايتو ودرويشه أنه حتى في أصعب الأوقات، لا حدود لحب الأم. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/مونيكا كيرياك

مرَّ أكثر من عام منذ أن وجدت درويشه ضيف الله، ومنذ اليوم الأول اعتبرته واحداً من أبنائها. وعندما وُلدت ابنتها الصغرى، أرضعتهما معاً، وشهدت نموهما جنباً إلى جنب، محاطَين بأشقائهما والدعم القوي الذي تقدمه الأسرة. 

تعلم درويشه بأن أيام إنجاب المزيد من الأطفال قد ولّت. فقد أثّرت المشاكل التي تواجهها في حاسة نظرها، وتسببت لها أيضاً في حصى بالكُلى، وفقر الدم وأضعف هذا كُله حالتها الصحية، بينما كانت تربية 15 طفلاً أكثر مما توقّعته. وفي حين أن بعض أطفالها ما زالوا يذهبون إلى المدرسة، فإن الأكبر سناً منهم قد غادروا المنزل وبدأوا حياتهم الخاصة. 

تخطط درويشه لأن تخبر أبنها ضيف الله بقصة دخوله في حياتها بعد أن يكبر وستترك له حرية اختيار طريقه، سواء بالبقاء بجانبها أو متابعة أحلامه الخاصة. وتضيف: "كل ما أريده هو أن يكون أطفالي سعداء وآمنين". 

خدمات الحماية التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة في مأرب يتم تمويلها من قبل الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية ومكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. كما يتم تمويل آلية الاستجابة السريعة والمساعدات النقدية متعددة الأغراض المقدمة من المنظمة في اليمن من قبل مكتب المساعدات الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية وصندوق الأمم المتحدة المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ وجمعية قطر الخيرية.