قصص
بقلم :
  • منة الله حُمَيد | مساعد أول للتواصل والمواد الإعلامية للمانحين في المنظمة الدولية للهجرة باليمن

الساحل الغربي، اليمن – "اشتريت حليباً ذات يوم، ولكن لم أتمكن من قراءة تاريخ الانتهاء، ولم أعرف أنه فاسد إلا بعد أن تذوقته،" تروي إقليم، من مديرية الخوخة، التي لم تكن تعرف القراءة والكتابة حتى وقت قريب.

إن نشأت إقليم في منطقة ريفية أفقدتها هي، وغيرها من الفتيات في قريتها، فرصة تعلم القراءة والكتابة. فقبل نزوحها من منطقة حيس في الحديدة، كانت الأمية عائقاً أمام إقليم في تولي مسؤولياتها اليومية كربة منزل، فلم تكن تقدر على قراءة المكونات وتواريخ الانتهاء والصلاحية على المواد الغذائية.

بعد تسع سنوات من الصراع، نزح ما يقدر بنحو 4.5 مليون مواطن يمني داخلياً. وهناك حوالي 21.6 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية وخدمات الحماية في مختلف أنحاء البلاد.

وقد أدى انهيار الاقتصاد اليمني إلى تفاقم مستوى الضعف لدى السكان بشكل كبير، حيث يعيش أكثر من 80 في المائة من اليمنيين الآن تحت خط الفقر. كما أثرت الأزمة على النظام التعليمي أيضاً، حيث تتأرجح آلاف المدارس على حافة الهاوية، فهي إما مدمرة أو متضررة جزئياً أو تم استخدامها لغير أغراض التعليم.

وتبين وفاء، وهي ناشطة مجتمعية تعمل مع المنظمة الدولية للهجرة في المركز المجتمعي في الخوخة: "في هذه القرية، ليس لدينا أي مدارس أو معلمين، لذا فإن نسبة كبيرة من السكان أُمِّيون."

"تريد النساء تعليم أطفالهن القراءة والكتابة، لكنهن غير قادرات على ذلك."

وفقاً لوفاء، مسؤولة تحشيد مجتمعي في المنظمة الدولية للهجرة، فإن أحد الطلبات الأكثر شيوعاً التي يتلقاها المركز المجتمعي تتلق بتقديم برامج محو الأمية. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/رامي إبراهيم، 2023

واستجابةً لهذه الحاجة الماسة، أقامت المنظمة الدولية للهجرة مؤخراً  برامجاً لمحو الأمية في خمسة مواقع للنزوح في تعز، لتستفيد منها 150 امرأة، ومازال  الطلب على هذه البرامج في ازدياد. ولتعزيز تجربتهن التعليمية، زودت المنظمة الدولية للهجرة المتعلمات بالحقائب والدفاتر والأقلام والكتب، إلى جانب إنشاء أماكن للدراسة وحشد المعلمين المتطوعين من المجتمع.

وعندما وصلت المعلمة المتطوعة سميرة لأول مرة إلى الخوخة، تفاجأت عندما وجدت أن العديد من شابات القرية أميات. وسرعان ما علمت أن العديد من الفتيات لم يستكملن دراستهن بعد الصف الثاني، مما حرمهن من فرصة اكتساب مهارات القراءة والكتابة.

ووفقاً لسميرة، غالباً ما يتم سحب الفتيات في المناطق الريفية من المدارس المختلطة في مرحلة مبكرة بسبب الأعراف الثقافية المحافظة. وعلى الرغم من هذه التحديات، لم تدخر سميرة أي جهد في تعليم النساء، وقد أتى تفانيها بثماره.

منذ انضمامها إلى الفصول الدراسية في المركز المجتمعي في الخوخة، تشعر إقليم بثقة أكبر عند استخدام هاتفها المحمول وشراء احتياجاتها من السوق.

وتوضح سميرة: "أصبحت النساء الآن قادرات على كتابة أسمائهن لأول مرة، بل وحتى تعليم أطفالهن وأزواجهن الحروف الأبجدية."

تقدم المنظمة الدولية للهجرة دعماً متواصلاً للنازحين داخلياً، بما في ذلك برامج محو الأمية المستمرة، وتوجيههم نحو طريق الصمود والتعافي. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/رامي إبراهيم، 2023

تم إنشاء المركز المجتمعي التابع للمنظمة الدولية للهجرة في الخوخة ليعمل كمنصة للنازحات للتعبير عن قضاياهن واحتياجاتهن. كما أنه أصبح بمثابة مكان آمن ومتنفساً للتعبير عن الذات تُقْبِل إليه النساء من 13 مخيماً للنازحين تديرها المنظمة الدولية للهجرة في جنوب تعز.

وتم إطلاق مشاريع المشاركة النسائية لتكون بمثابة بوابة للنساء للانخراط بشكل فاعل في أنشطة المخيمات. ومن خلال تشجيع النساء على المساهمة في مختلف الاقتراحات، تعمل المنظمة الدولية للهجرة على تعزيز التفاعل البناء وتبادل المعلومات. وفي هذه العملية التعاونية، تستطيع المرأة تعزيز مشاركتها في أنشطة المخيمات، بل ويمكنها أيضاً اكتساب مهارات قَيِّمَة تساهم في تطوير ذاتها.

وكونها نازحة أيضاً، وجدت وفاء وظيفة كمسؤولة تحشيد مجتمعي في المنظمة الدولية للهجرة عند وصولها إلى الخوخة، حيث يتضمن دورها الحالي معالجة الشكاوى وتنظيم الأنشطة المجتمعية. وتعمل هي وزميلاتها بنشاط على معالجة مختلف قضايا النساء النازحات واستكشاف طرق لتحسين ظروفهن المعيشية.

المنظمة الدولية للهجرة تتعاون مع الشركاء في المجال الإنساني للدعوة إلى تحسين حياة النازحين داخلياً على مستويات متعددة. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/رامي إبراهيم، 2023

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ثلاثة أرباع النازحين في اليمن – البالغ عددهم 4.5 مليون شخص – هم من النساء والأطفال، حيث تعيل النساء حوالي 26% من الأسر النازحة.

وتضيف وفاء: "يعيش النازحون في هذه المنطقة في ظروف سيئة للغاية، ويكافحون من أجل إيجاد طرق لكسب لقمة العيش. ويقضي الكثيرون أياماً كاملة دون أن يكسبوا أي شيء، وقد تعمل بعض النساء ليوم كامل في المزارع مقابل 2.5 دولار أمريكي فقط."

كل صباح، يغادر زوج نوال، الذي أصبح الآن عاطلاً عن العمل، مع أبنائه بحثاً عن عمل، وعادةً ما يعملون في زراعة المحاصيل مقابل أجر يومي. وفي أغلب الأحيان، يعودون بدخل متواضع، بالكاد يكفي لتغطية تكاليف الوجبات اليومية، وفي بعض الأحيان يعودون إلى منازلهم خاليّ الوفاض.

وتقول نوال، وهي أم لسبعة أطفال: "كنا ننعم بحياة مريحة، وكنا نكسب رزقنا من الجمال، بينما كان لأزواجنا مصدر دخل ثابت. ولكن بعد نزوحنا، لم يكن لدينا وسيلة لإعالة أنفسنا."

بين سن 15 و35 سنة، النساء والفتيات المشاركات في برنامج محو الأمية يتمسكن بالأمل، وينتظرن بفارغ الصبر استمرار البرنامج. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة/رامي إبراهيم، 2023

يعمل المركز المجتمعي في الخوخة على تحسين حياة الأسر النازحة من خلال تنظيم أنشطة للنساء لبناء المهارات، مثل الخياطة، وتصفيف الشعر، والنقش بالحناء، ونسج القش. وفي المركز، تعلمت نوال صناعة السلال والحصائر والقبعات وأوعية الخبز التي تبيعها الآن في السوق المحلية، وقد شجعها على ذلك توفر القش والطلب الكبير على هذا النوع من المصنوعات.

وبعد أن اكتسبت هذه المهارة، تلعب نوال الآن دوراً محورياً في مشاركة معرفتها مع النساء النازحات الأخريات. وهذا التناقل للمهارات يساهم في تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع بين النازحين داخلياً، ويتيح للمزيد من النساء تعلم الوسائل اللازمة لتوليد الدخل، والمساهمة في تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً  للأسر الفردية، وللمجتمع ككل.

وتوضح وفاء: "نظراً لأن معظم النساء هنا مسؤولات عن أسرهن، فإن هدفنا هو منحهن الأدوات اللازمة للشعور بالتمكين، ومما يسمح لهن من إعالة أسرهن ولعب دور حيوي في مجتمعهن."

يتلقى المركز المجتمعي في مدينة الخوخة التمويل من الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية، في إطار أنشطة المنظمة الدولية للهجرة لإدارة المخيمات وتنسيق أنشطتها.