قصص
بقلم :
  • هيثم عبد الباقي، وتحرير: منة الله حميد | مساعدا قسم التواصل في المنظمة الدولية للهجرة في اليمن

عدن - السفر خارج الوطن - سواء لإيجاد فرص أفضل أو تعليم أو عمل - هو جزء من التجربة الإنسانية. ومع ذلك، فإن التحديات غير الإنسانية التي يواجهها المهاجرون أثناء مرورهم عبر اليمن الذي مزقته الحرب ليست بالأمر الهين.

فمن الرحلة البحرية المحفوفة بالمخاطر إلى الاحتجاز والاعتداء من قبل المهربين، ومن المشي لأسابيع دون طعام أو مأوى إلى مواجهة الموت والإصابة بالجروح، يتعرض المهاجرون لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أثناء سفرهم في  الطريق الشرقي.

يتذكر عبدي *، البالغ من العمر 19 عاماً، وهو مهاجر إثيوبي قام بالرحلة إلى اليمن: "قيل لي إن السفر إلى اليمن سيتيح لي الوصول إلى المملكة العربية السعودية، لكنهم لم يحذروني من الجحيم الذي سأواجهه أثناء الرحلة".

بعد ثلاثة أيام قاسية وسط البحر، وصل عبدي والمهاجرون الآخرون الذين سافروا معه على نفس القارب إلى الشواطئ اليمنية في محافظة لحج.

وأضاف: " أثناء تواجدي على متن القارب، سمعت قصصاً مروعة عن أوكار المتاجرين بالبشر ومدى خطورتها".

وعند النزول في الساحل، اعتقد الشاب أنه محظوظ لعدم نقله إلى إحدى تلك الأوكار سيئة السمعة التي يقاسي فيها المهاجرون الوافدون حديثاً من الانتهاكات.

وبدلاً من ذلك، سار عبدي وبعض المهاجرين نحو مدينة لحج بحثاً عن الطعام والمأوى، ثم انتقلوا لاحقاً إلى عدن. وخلال رحلتهم، تعرضوا لكمين لصوص طلبوا منهم المال. لم يكن لديه ما يعطيه لهم لذلك تعرض للضرب المبرح.

"آخر شيء أتذكره هو الضرب بالهراوات. كان ذلك مؤلماً للغاية لدرجة أنني لم أستطع حتى تحريك عضلة في جسمي."
 

عبدي يتحدث عن رحلته الخطيرة إلى اليمن. تصوير: ماجد محمد / المنظمة الدولية للهجرة، اليمن

وجد المارة عبدي فاقداً للوعي على جانب الطريق ونقلوه بسرعة إلى مركز تديره المنظمة الدولية للهجرة في عدن حيث تلقى الإسعافات الأولية وفحصاً جسدياً. ولقد كان في حالة حرجة وظهرت عليه علامات الإصابة، لذلك نقله الفريق الطبي التابع للمنظمة الدولية للهجرة إلى مستشفى عام لتلقي الرعاية الطبية المناسبة.

"استيقظت ووجدت نفسي في المستشفى. لم أكن أعرف كيف أو متى وصلت إلى هناك."

بعد تلقي العلاج الجسدي الذي يحتاجه، بدأ عبدي في تلقي الدعم النفسي والاجتماعي من المرشدين النفسيين التابعين للمنظمة الدولية للهجرة لمساعدته في التعامل مع الصدمة الناجمة عن الحادث.

وقد عانى عبدي من ضائقة نفسية حتى قبل أن يقوم بهذه الرحلة. فقد كان يتناول الأدوية في المنزل، ولكن بعد مغادرته المنزل، نفذ دواؤه وتفاقمت صحته النفسية.

وبعد التشخيص الشامل، اتضح للأطباء أن عبدي كان يعاني من الاكتئاب والهلوسة وغيرها من مشاكل الصحة النفسية.
 

عبدي ومهاجرون آخرون يشاركون في أنشطة الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في نقطة الاستجابة للمهاجرين التابعة للمنظمة الدولية للهجرة في عدن. تصوير: ماجد محمد / المنظمة الدولية للهجرة، اليمن

أوضح الدكتور داود، الطبيب النفسي في المنظمة الدولية للهجرة في نقطة الاستجابة للمهاجرين في عدن: "لحسن الحظ، وبعد خمسة أشهر من الرعاية المجتمعية، تحسن وضعه النفسي والجسدي بشكل كبير".

وأضافت منال سالمين، أخصائية نفسية في المنظمة الدولية للهجرة والتي تقدم الدعم للمهاجرين في عدن: "لا يوجد شيء أكثر إنسانية من مساعدة الشباب المصابين بصدمات نفسية، وخاصة أولئك الذين هم بعيدون عن وطنهم".

ستستغرق رحلة عبدي نحو الشفاء التام بعض الوقت، لكنه أحرز تقدماً كبيراً في عدن لتحسين صحته من خلال حضور جلسات استشارية منتظمة والحصول على الأدوية التي يحتاجها. وقد اختار العودة إلى إثيوبيا في أكتوبر من خلال برنامج المنظمة الدولية للهجرة للعودة الإنسانية الطوعية.
 

مهاجر يستعد للصعود على متن إحدى رحلات العودة الإنسانية الطوعية التي تسيرها المنظمة الدولية للهجرة في عدن، 2022. تصوير: أفاند حسن / المنظمة الدولية للهجرة، اليمن

لا تقتصر هذه المعاناة على عبدي فقط، بل هي قصة آلاف المهاجرين الذين يعانون من المشقة أثناء مرورهم عبر اليمن.

وقد حصل حوالي 50,000  من المهاجرين والمجتمعات المضيفة والنازحين في اليمن على دعم الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي من فريق الصحة التابع للمنظمة الدولية للهجرة في عام 2022. ويساعد هذا الدعم النفسي والاجتماعي الأشخاص المتضررين من الصراع وسوء المعاملة على تجاوز التجارب المؤلمة وخلق مستقبل أكثر صحة.

وقد أصبح الدعم الصحي الشامل الذي تقدمه المنظمة الدولية للهجرة - بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي - ممكناً بفضل الدعم المقدم من الجهات المانحة مثل الاتحاد الأوروبي وكذلك حكومتي ألمانيا وفنلندا.

* تم تغيير الاسم لحماية هوية صاحبه