قصص

حضرموت - كان من المفترض أن تُنهي فاطمة، البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً، دراستها هذا العام لتستعد للالتحاق بالجامعة، لكن الصراع في اليمن زعزع حياتها ودفع بزمنها إلى الوراء. 

وقالت فاطمة، التي تأخرت عامين عن أقرانها في الصف: "كان حلمي دائماً أن أنهي دراسة الماجستير، لكن الصراع كان له تأثير سلبي على حياتي. وأحياناً أفكر في ترك المدرسة تماماً." 

نزحت فاطمة وأسرتها في عام 2018م بسبب الاشتباكات المسلحة في الحديدة، منتقلةً إلى حضرموت، على الجانب الآخر من البلاد.   

اضطُرت للمغادرة في منتصف العام الدراسي لتنتظر عاماً آخر للتسجيل في إحدى مدارس المنطقة التي انتقلت إليها، ولكن الصعوبات في نقل شهاداتها وتفشي وباء كورونا زاد من تأخيرها. 

"كان أسوأ شعور أن أرى جميع زملائي يذهبون إلى المدرسة بينما كان علي أن أجلس في المنزل وأنتظر فقط. كل يوم شعرت بمستقبلي ينزلق من بين يدي. كنت قلقة من أنني لن أحقق أي شيء في حياتي." 

أدت سبع سنوات من الصراع والتدهور الاقتصادي الحاد ووباء كورونا إلى إعاقة وصول الفتيات والفتيان إلى التعليم، لا سيما وأن نظام التعليم في اليمن على وشك الانهيار، ليتأثر بذلك 6.1 مليون فتى وفتاة ملتحقين في نظام التعليم الحكومي. 

والد فاطمة – علي – يدعم أبناءه لمواصلة تعلميهم. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2022م

يعرف والد فاطمة، علي، قيمة تعليم ابنه وبناته الأربع في المدرسة. 

وقال علي: "جئنا إلى حضرموت بحثًا عن مكان أكثر أماناً حيث يمكن لأولادي العيش ومواصلة دراستهم. أريد أن أمنحهم تعليماً جيداً حتى لا يعيشون في جهل". 

"التعليم هو أهم شيء في الحياة، ويستحق كل التضحيات التي يجب أن نقدمها ". 

فاطمة هي واحدة من 870.000 طفل في اليمن انقطع تعليمهم بسبب النزوح المتكرر والصراع في البلاد. 

"كان يؤلمني أن أرى فاطمة تبكي عندما كانت خارج المدرسة، وبذلت ما بوسعي  لأجد لها مقعداً في فصل دراسي." 

وأضاف علي: "المدارس تزود الأطفال بالعلم، والعلم نور ويمكن أن يحميهم من كل شيء. كما تعزز المدارس التعاطف في المجتمع وتنشئ جيلاً مثقفاً يحب السلام ويستهجن الصراعات."

فاطمة تشارك في إحدى الحصص المدرسية في مدرستها الجديدة بحضرموت. الصورة: المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2022م

في عام 2020م، شعرت فاطمة ووالدها بالارتياح عندما التحقت أخيراً بمدرسة الخنساء الواقعة بالقرب من مسكنهم الجديد. 

وأردف علي: "من المهم أن تكون هناك مدارس قريبة من مكان سكن الطلبة. فمن الصعب على الطالبات الذهاب إلى مدارس بعيدة، ناهيك عن قلق الوالدين بشأن سلامتهن وتكاليف النقل". 

وعلقت فاطمة: "كانت هذه المدرسة هي أول مكان استقبلني بعد أن أصبحت نازحة. كنت سعيدةً جداً ومرتاحةً للعودة أخيراً إلى المدرسة بين الفتيات الأخريات. لم أعد أشعر بالعجز بسبب وضعي." 

كانت فاطمة تشعر بالارتياح لوجود مدرسة جديدة وقريبة يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام، لكن مدرسة الخنساء لم تكن بعد المكان المثالي للتعلم. كانت الفصول الدراسية صغيرة ومكتظة، وتضم أكثر من 90 طالبة في كل فصل. فوجدت الطالبات صعوبة في التركيز أو استيعاب المعلومات. 

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 2,900 مدرسة في اليمن قد تعرضت للدمار أو الضرر أو الاستخدام لأغراض غير تعليمية ، مما أثر على تعليم حوالي 1.5 مليون فتاة وفتى في سن الدراسة. 

وفي الوقت نفسه، تعاني المدارس العاملة في جميع أنحاء البلاد  من الاكتظاظ ونقص الموارد وغالباً ما يتعذر الوصول إليها، بل والكثير منها لا تملك ما يكفي من الكتب المدرسية أو مواد التدريس والتعلم، أو تفتقر إلى مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة التي تراعي الفوارق بين الجنسين. وهذه المخاوف الخاصة بالحماية والسلامة تدفع الآباء إلى إبقاء أطفالهم - وخاصة الفتيات - في المنزل.

مدرسة عائشة هي إحدى المدارس المعاد تأهيلها في حضرموت. الصورة: إلهام العقبي/ المنظمة الدولية للهجرة، 2022م

ولتمكين جميع الأطفال من العودة إلى المدرسة ودعم بيئات التعلم في حضرموت، عقدت المنظمة الدولية للهجرة شراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لإعادة تأهيل أربع مدارس في حضرموت. 

وتم تنفيذ أعمال إعادة التأهيل والبناء في المدارس وفقاً لأضرار واحتياجات كل مدرسة. 

وشمل التدخل في مدرسة الخنساء بناء مبنى من طابقين ليتضمن فصول دراسية جديدة ومراحيض وغرفة للإدارة. وتمت إعادة طلاء المبنى وتزويده بمكيفات هواء وأثاث ونوافذ واسعة للسماح بدخول المزيد من الضوء الطبيعي. 

وأضافت فاطمة وهي الآن واحدة من أفضل الطالبات في فصلها: "مدرسة الخنساء تغيرت بالكامل بعد هذه التدخلات. لقد أنقذت هذه المدرسة وضمنت مستقبل الفتيات النازحات اللائي جئن إلى حضرموت، حيث ترحب بهن هذه المدرسة وتمنحهن مكاناً لمواصلة دراستهن." 

"لم تعد الفتيات محرومات من متابعة تعليمهن ولديهن آمال أكبر لغد أفضل."  

وقال نوار النمري، مساعد مشروع الانتقال والتعافي في المنظمة الدولية للهجرة في حضرموت: "بالإضافة إلى دعم تعليم الطلبة في المنطقة، أدى هذا التدخل أيضاً إلى تقليل التوتر بشكل كبير بين المجتمع المستضيف والنازحين الوافدين، من خلال تعزيز قدرة المدرسة على استقبال الطلبة النازحين حديثاً." 

عقدت المنظمة الدولية للهجرة شراكة مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لإعادة تأهيل أو بناء 15 مدرسة في أربع محافظات في اليمن. ويهدف هذا المشروع إلى معالجة الفجوات الرئيسية في التعليم لتحسين الخدمات التعليمية للعائدين والمجتمعات المستضيفة والمجتمعات النازحة.