قصص
بقلم :
  • هيثم عبد الباقي | مساعد التواصل في المنظمة الدولية للهجرة باليمن

مأرب – كان رشاد راضياً بالحياة التي عاشها في منزله بحَجَّة، يجتهد في عمله ليعتني بزوجته وأطفاله ووالديه المسنَين. قبل الصراع، كان يتنقل بانتظام ذهاباً وإياباً من منزله في شمال اليمن إلى المملكة العربية السعودية لكسب لقمة العيش. ولكن عندما بدأت الاشتباكات المسلحة تحتدم، لم يعد بإمكانه الوصول إلى البلد المجاور الذي كان يحصل منه على الدخل الأساسي اللازم لرعاية أسرته.

اضطُرَّ رشاد إلى اتخاذ قرارٍ صعبٍ بالسفر إلى مدينة أخرى في اليمن بعيداً عن منزله للبحث عن عمل، تاركاً وراءه والديه وأسرته.

وأوضح رشاد: "كان والدي يعاني من أمراض في الرئة والقلب، ودواؤه يكلف 270,000 ريال يمني كل شهر. لم يعد بإمكاني توفير ذلك، فاضطررت للسفر للبحث عن عمل في صعدة."

ظَنَّ رشاد أنه سيتمكن من العمل والعودة إلى منزله، لكنه ظل عالقاً هناك بسبب الاشتباكات المسلحة. وفي النهاية، نفد ماله ولم يعد قادراً على تحمل تكاليف الانتقال.

"لحسن الحظ، وجدت شخصاً طيب القلب عرض عليَّ أن يأخذني إلى مأرب مجاناً. ولدهشتي، أعطاني بعض المال لأشتري به طعاماً لي بعد وصولنا إلى هناك."

عندما وصلَ إلى مأرب، واجه رشاد تحديات هائلة. لم يكن لديه مال ولا مأوى، وكان بعيدًا عن أسرته ووالديه المريضين. في تلك اللحظة شعر رشاد بالعجز لأول مرة.

"لم يكن لدي أي شيء، ولا حتى خيمة أو بطانية، لكن الناس هناك كانوا طيبين للغاية وأعاروني بطانيات وخيمة وطلبوا مني إعادتها عندما تساعدني المنظمة."

"كما أقرضني المجتمع هناك بعض المال لدفع رسوم النقل لإحضار أسرتي ووالديَّ من حجة."
 

رشاد وأسرته يتحدثون عن قصة نزوحهم. الصورة: هيثم عبد الباقي/ المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2023

بعد أن التمَّ شملُ رشاد بأسرته، علمَ رشاد بالخدمات التي تقدمها المنظمة الدولية للهجرة في موقع النزوح بالجفينة.

بدعم من صندوق التمويل الإنساني في اليمن، قدمت المنظمة الدولية للهجرة لرشاد مساعدة نقدية  تم تسليمها على ثلاث دفعات كجزء من حزمة متسلسلة من مساعدات آلية الاستجابة السريعة والتي تضمنت أيضاً الخيام والفرش والبطانيات والمواد الغذائية، وذلك بالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.

وقد تلقى حوالي 1,834 نازحاً داخلياً هذه المواد الأساسية والمساعدات النقدية من خلال هذه المبادرة منذ سبتمبر الماضي.

وقال محمد عباس، مساعد ميداني في المنظمة الدولية للهجرة في مأرب: "تهدف المساعدات النقدية المقدمة للمجتمعات إلى تعزيز سبل العيش للأشخاص الذين نزحوا حديثاً بسبب الصراع أو الكوارث."

"وتتيح لهم المساعدة النقدية اتخاذ القرار الأنسب لهم في كيفية استخدام المال، إما لتأمين الغذاء أو الدواء أو المأوى أو حتى التعليم."

والد رشاد يسير ببطء بسبب مرضه الذي حد من قدرته على الحركة. الصورة: هيثم عبد الباقي/ المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2023

ويبين رشاد: "بالدفعة الأولى، اشتريت فرناً واسطوانة غاز حتى أتمكن من إعداد وجبات الطعام في مأواي. واشتريت أيضاً الإسمنت لبناء غرفة وأنفقت بقية المال في شراء المواد الغذائية لأسرتي."

فقد مكنته هذه المساعدة من طهي وجبات دافئة وتأمين المأوى لنفسه ولأسرته، مما يوفر لهم بعض الراحة التي لم يحصلوا عليها منذ نزوحهم.

وفي وقت لاحق، استخدم رشاد الدفعة الثانية من المساعدة النقدية لشراء المواد اللازمة لتحسين مسكنه. ويعيش الآن هو وأسرته في مساحة صغيرة ولكنها مريحة وتوفر لهم الشعور بالاستقرار والخصوصية والانتماء.

أما الدفعة الأخيرة فقد نَفَّست عن رشاد، حيث استخدم المال في شراء الطعام لأطفاله وتزويد والده بالدواء اللازم الذي خفف عنه آلام المرض وجعله يشعر بالتحسن.

واختتم رشاد كلامه قائلاً: "أنا ممتن جداً، فلم يكن لدينا شيء قبل أن يأتي هذا الدعم".

ولا يزال رشاد يرغب في بناء مطبخ منفصل لطهي الطعام بأمان خارج مأواه.

اختار رشاد ألا ينكسر في مواجهة الشدائد، بل اغتنم الفرصة لإحداث أثر إيجابي في حياة أسرته. فقصته بمثابة تذكير بأنه حتى في أحلك الأوقات، هناك دائما مجال للتراحم والصمود.

رشاد يلعب مع ابنته في مأواه الذي بناه حديثاً في موقع الجفينة. الصورة: هيثم عبد الباقي/ المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2023