قصص
بقلم :
  • هيثم عبد الباقي | مساعد تواصل في المنظمة الدولية للهجرة
  • تحرير وترجمة: أيوب الأحمدي | مساعد ترجمة أول في المنظمة الدولية للهجرة

مأرب – قبل ثلاث سنوات، غادرت إيليلي بلدها إثيوبيا وهي في الرابعة عشرة من عمرها. كانت تساعد عائلتها في بيع الملابس قبل أن تنطلق في رحلة حَلُمَت أنها ستحقق لها ولعائلتها حياة أفضل. 

فقد سمعت قصصاً عن أشخاص لاقوا النجاح بعد سفرهم إلى الخارج، وخاصة إلى المملكة العربية السعودية، لكنها لم تكن تعرف سوى القليل عن المخاطر التي لا يمكن تصورها على هذا الطريق. 

فالمهربون والمتاجرون بالبشر يتربصون بالشُبَّان الإثيوبيين، مثل إيليلي، ويحيكون لهم بمكرٍ وعوداً كاذبة لإغرائهم في رحلات الهجرة المحفوفة بالمخاطر. 

وتستذكر إيليلي: "لم أكن أجني ما يكفي من المال في ذلك الوقت. أردت فقط حياة أفضل. قلت لنفسي إذا كان الكثير من الناس قد قاموا بهذه الرحلة من قبل، فلما لا أقوم أنا بذلك؟" 

وفي رحلتهم إلى دول الخليج غالباً ما يجتاز المهاجرون الإثيوبيون الصحاري القاحلة في الصومال، ويخوضون البحر المضطرب في خليج عدن، ويعبرون خلال اليمن الذي يمزقه الصراع، ويأمل معظمهم في الوصول إلى المملكة العربية السعودية. 

وأوضحت إيليلي: "ذات يوم عندما ذهبت إلى المدينة لشراء بعض الأشياء لأسرتي، اغتنمت الفرصة وهربت من المنزل. سافرت أنا وأصدقائي مع مهاجرين آخرين بالحافلة عبر الحدود الإثيوبية." 

"وضَعَنَا المهربُ في مكان مجهول في الصومال وكان علينا أن نواصل الطريق سيراً على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة." 

عندما وصلتْ إلى بوساسو – وهي نقطة انطلاق مشتركة ينتقل منها المهاجرون في رحلات على متن قوارب من الصومال إلى اليمن – جرحت إيليلي إحدى قدميها، واضطرت إلى البقاء هناك لمدة 15 يوماً حتى تتعافى من إصابتها. وخلال هذه الفترة، أنفقت كل المال الذي كانت بحوزتها. 

وأضافت إيليلي: "بسبب إصابتي، لم أتمكن من المواصلة مع أصدقائي. كان عليهم المضي قدماً، وكان عليَّ أن أنتظر القارب التالي. لم أرهم مرة أخرى أبداً." 

بعد أن تقطعت بها السبل دون أن تتمكن من دفع أموال للمهربين ومواصلة رحلتها، لم تجرؤ إيليلي في البداية بالاتصال بوالدها لطلب المال، لأنها هربت من المنزل. ولكن دونما خيار آخر، قامت في النهاية بإجراء المكالمة. 

وأردفت إيليلي: "كنت متفاجئة، فقد وافق والدي أن يرسل لي المال إذا أخبرته أنني سأعود إلى المنزل. ولكنني عندما حصلت على المال، كنت قد قررت مواصلة رحلتي. لم أرد الاستسلام في تلك المرحلة." 

نُقِلَت إيليلي مع مهاجرين آخرين على متن قارب صغير ومكتظ. أمضوا يومين في البحر، وقد تملكهم الخوف من الغرق. 

أضافت إيليلي: "عندما وصلنا إلى شواطئ شبوة في اليمن، كنا مرهقين وجائعين، ولم يكن هناك وقت للراحة. فقد أجبرنا المهربون على ركوب شاحنات صغيرة، وسافرنا لمدة ثلاثة أيام متتالية حتى وصلنا إلى صعدة." 

بمجرد وصولها إلى صعدة – وهي مركز عبور رئيسي للهجرة في شمال اليمن بالقرب من حدود المملكة العربية السعودية – لم تتمكن إيليلي ورفاقها من المهاجرين من عبور الحدود بسبب قيود التنقل المفروضة جراء فيروس كورونا والتي كانت لا تزال سارية في عام 2021. 

وكخيار بديل، قام المهربون ببيعها هي والمهاجرين الآخرين للمتاجرين الذين أخذوهم إلى أوكارهم في الصحراء. 

وقالت إيليلي: "لقد أمضينا ثلاثة أشهر مضنية في هذه الأوكار، وكان همنا الأساسي هو متى سنتناول وجبتنا التالية." 

وأضافت والدموع تتجمع في عينيها: "في إحدى الليالي، أخذ المهربون الجميع إلى خيمة مختلفة، وتركوني بمفردي. لم يكن لدي أي فكرة عن السبب." 

كانت هذه هي اللحظة التي ظهرت فيها القسوة، في أقصى أشكالها، خلال رحلتها. اعتدى عليها هؤلاء المتاجرون الوحشيون وانتهكوها. لقد تحملت أشهراً من الإيذاء الجسدي والنفسي وسوء المعاملة والتجويع. 

وفي نهاية المطاف، تم نقل إيليلي والآخرين عبر الخطوط الأمامية إلى محافظة مأرب. 

تم نقلهم إلى تجمع بن معيلي غير الرسمي، حيث يقع المهاجرون هناك في دائرة استغلال يبدو ألا نهاية لها، حيث يجبر المتاجرون النساء على القيام بالأعمال المنزلية ومصادرة أجورهن. 

إيليلي مع ابنتها في مأواهما بمأرب. الصورة: رامي إبراهيم/المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، 2023م

"في التجمع، بدأت أشعر بالتعب وآلام في البطن. شعرت بالخوف عندما بدأت بطني تنتفخ. اعتقدت أنه مرض ما وطلبت نصيحة إحدى كبيرات السن، التي أخبرتني أنني حامل. ببساطة لم أستطع فهم ذلك." 

بدعم من الاتحاد الأوروبي، مدَّت المنظمة الدولية للهجرة يد العون لإيليلي، وزودتها بالأساسيات التي تحتاجها كأم جديدة: الحليب، والحفاضات، وزيت الأطفال، ومواد النظافة، والملابس، من بين مواد أخرى. كما تم دعمها بمأوى جديد وحصائر نوم وبطانيات ومراتب. 

وتدعم المنظمة الدولية للهجرة، بتمويل من الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية، المهاجرين في مأرب بالخدمات النفسية والاجتماعية والصحية التي توفر الإغاثة للمجتمعات التي لولا ذلك لن تتمكن من الحصول على الرعاية الطبية. 

بدأت إيليلي الآن في الوقوف على قدميها مرة أخرى وتضع خططاً للعودة إلى بلدها وبناء حياة أفضل لها ولطفلتها. فقد استجمعت شجاعتها لتتصل بوالدها وتشرح له التجربة البائسة التي مرت بها. 

قالت إيليلي: "كان والدي متفهماً وأكد لي أنه لدي دائماً مكان في العائلة." 

واختتمت إيليلي كلامها قائلةً: "أنصح الجميع بالاعتزاز بأوطانهم وأحبائهم والاستفادة من الفرص المتاحة في بلدانهم الأصلية بأكبر قدر ممكن بدلاً من البحث عن فرص غير مؤكدة في أماكن أخرى." 

يوجد حوالي 44,000 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن ويعيشون في ظروف مزرية مع عدم قدرتهم على مواصلة رحلاتهم أو العودة إلى ديارهم. 

واستجابةً لاحتياجات العائدين، تقدم المنظمة الدولية للهجرة خدمات المساعدة الإنسانية والحماية بما يتماشى مع الخطة الإقليمية للاستجابة للمهاجرين في القرن الأفريقي واليمن للعام 2023، والتي تهدف إلى تلبية احتياجات المهاجرين في الحالات الضعيفة والمجتمعات المستضيفة في البلدان الواقعة على طول طريق الهجرة الشرقي بين القرن الأفريقي واليمن. 

 

*تم تغيير الأسماء لأغراض الحماية